يت منطقة الشرق الأوسط بهذا الاسم الجيوسياسي إبان عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين في العالم القديم، ومعظم دول الشرق الأوسط هي جزء من العالَم العربي الذي يشكل كتلةً مهمةً في موقعها الجغرافي وثرواتها وتاريخها العتيق، إذ هي مهد الحضارات الإنسانية ومهبط الديانات السماوية. وحين يضطرب الأمن اليوم في منطقة الشرق الأوسط فلا شك أن العالم بأجمعه مهدد في أمنه واستقراره واقتصاده.
وقد مرت منطقة الشرق الأوسط بمنعطفات وأزمات عبر التاريخ أخذ بعضُها منحنياتٍ تاريخيةً وجغرافيةً لأكثر من دولة في المنطقة. ولنتحدث هنا عن المنطقة العربية التي كانت القضية الفلسطينية من أكبر أزماتها وأكثرها تأثيراً، حيث شكلت مأزقاً تاريخياً جلب الأزمات المتتالية ليس لفلسطين فحسب بل لدول الجوار العربي، وامتد تأثيرها حتى الخليج العربي، ثم باتت قضية سياسية للمسلمين قاطبةً، مما أشعل الكثير من الحروب والاضطرابات التي لا يزال البعض يؤمن بضرورة تأجيجها رغم عدم جدواها، ورغم أن الأمن والسلام لن يأتيا عن طريق الصراعات والدماء والمزيد من الأزمات. لقد أثبتت الاضطرابات والصراعات التي طالت منطقةَ الشرق الأوسط لعقود طويلة، وبشكل قاطع، أن السعي وراء الأمن المطلق أو الحلول الرغبوية لن يؤدي إلا إلى تفاقم المأزق الأمني، ولن يكون الأمن راسخاً وحقيقياً ودائماً إلا إذا قام على أساس الأخلاق والعدالة والمفاهيم الدولية والتفاهمات البعيدة عن منطق الصراع المسلح.
يمر العالَمُ اليومَ بأزمات عدة، أمنية واقتصادية وإنسانية وغذائية وصحية ومناخية وبيئية، ومن المهم جداً أن تكون منطقة الشرق الأوسط بمنأى عن الصراعات وتأجيج الخلافات، وأن يأخذ حل الخلافات منحنى أكثرَ سلميةً عبر منابر الحوار ووساطة الدول المؤثرة التي تراعي السلام قبل المصالح، مع توسيع دائرة التحالفات والالتزام بمبادئ السلام وفق مواثيق الأمم المتحدة، ومقاصد الأمن والاستقرار العالميين. فالتحولات التي مرت بها المنطقة العربية تختزل دروساً قاسية منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مروراً بالخروج المرير للعراق من التوازنات الإقليمية لمنطقة الخليج والعالم العربي، ثم التهديدات الإقليمية من بعض دول الجوار وأثرها على أمن الخليج وسلامة ممراته المائية، وحروب الوكالة التي تمارَس ضد دول التحالف في اليمن، والأعمال الإرهابية تجاه مواقع إنتاج البترول في السعودية، وليس انتهاءً بتأثيرات ما سُمي «الربيع العربي» والمآلات المؤسفة والمريعة التي خلّفها، فضلاً عن الآثار التي تركتها جائحة كورونا والتي لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العربي والإمدادات الغذائية والصحية لبعض دول منطقة الشرق الأوسط.
الأمن ليس رفاهية، بل ضرورة تحتمها الظروف والمتغيرات العالمية، وفرص السلام في المنطقة رغم شحها، إلا أن اقتناصها أصبح ضرورة يفرضها المنطق للعيش بسلام واستقرار، والتعايش وفق أرضيات إنسانية مشتركة، وفي إطار فكرة قبول الآخر والتسليم بالأمر الواقع. ودولة إسرائيل واقع يجب التعامل معه بكياسة وحصافة، مع حفظ حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وكرامة مصانة وأمن وسلام دائمين. إن الصراعات على مدى أكثر من سبعة عقود لم تخلِّف سوى الدمار والكثير من الخسائر والقليل من الأمن في منطقة أصبح الأمن والسلام بالنسبة لشعوبها استحقاقاً يجب العمل عليه وصيانته بالذكاء لا العاطفة!
مصدر : إيلاف