قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الإماراتية احتجزت تعسفا 57 متظاهرا بنغاليا، وأدانتهم، وحكمت عليهم بالسَّجن لفترات طويلة بعد محاكمة سريعة استندت إلى مشاركتهم في مظاهرات سلمية في الإمارات. الأحكام بالسَّجن، التي تراوحت بين 10 سنوات والمؤبد، جاءت بعد إجراءات قضائية سريعة تثير مخاوف خطيرة بشأن الإنصاف وسلامة الإجراءات الواجبة.
في 19 يوليو/تموز، نظمت مجموعات مؤلفة بمعظمها من مواطنين بنغاليين يعيشون في الإمارات مظاهرات سلمية في أكثر من موقع في البلاد، تضامنا مع المظاهرات الطلابية في بنغلاديش. في 20 يوليو/تموز، أعلن النائب العام الإماراتي فتح تحقيق في المظاهرات، وبعد يوم واحد فقط، أعلنت “محكمة الاستئناف الاتحادية” في أبو ظبي إدانة جميع المتهمين الـ 57 وأصدرت أحكاما بحقهم.
قالت جوي شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: “من المستحيل أن يحصل المتهمون على محاكمة عادلة، عندما يبدأ التحقيق وينتهي، وتبدأ المحاكمة، ويصدر الحكم في أقل من 48 ساعة. هذه الأحكام تهزأ من العدالة وعلى السلطات الإماراتية الإفراج فورا عن جميع المحكومين بسبب التظاهر السلمي للتضامن”.
تفرض الإمارات قيودا قاسية على الحق في كل من حرية التعبير، والتجمع، وتشكيل الجمعيات. المظاهرات والاحتجاجات ممنوعة بالكامل بموجب قانون العقوبات الإماراتي، ما يخرق الدستور الإماراتي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مثل “الميثاق العربي لحقوق الإنسان”، والإمارات طرف فيه.
دققت هيومن رايتس ووتش في ستة فيديوهات للمظاهرات، نُشرت على “تيكتوك” و”إكس” (“تويتر” سابقا) في 19 يوليو/تموز، أو الأيام التي تلت. الفيديوهات، التي صُوِّرت في المساء، تُظهر متظاهرين سلميين يرددون الشعارات ويجولون في شوارع الإمارات، بما في ذلك أبو ظبي، وعجمان، ومنطقتان في دبي: السطوة ووسط المدينة. في هذه الفيديوهات، وغيرها حللتها هيومن رايتس ووتش، لا يبدو أن أيا من المتظاهرين يقوم بأعمال عنف أو يستخدم في هتافاته كلاما يحض على العنف.
اندلعت اشتباكات عنيفة في بنغلاديش بعد 15 يوليو/تموز، عندما هاجمت قوات حكومية ومناصرون لها طلابا المتظاهرين ضد تخصيص كوتا 30% من الوظائف الحكومية لعائلات المحاربين القدامى، الذين حاربوا من أجل استقلال البلاد في 1971. قُتل أكثر من 150 شخصا، وجُرح الآلاف، واعتُقل العديدون. فنظّمت مجموعات الاغتراب البنغالية مظاهرات سلمية للتضامن معهم في العديد من البلدان الأخرى.
في 21 يوليو/تموز، حكمت محكمة استئناف أبو ظبي الاتحادية على 53 مواطنا بنغاليا بالسَّجن 10 سنوات، وواحد بالسجن 11 سنة، وثلاثة بالسجن المؤبد، بحسب “وكالة أنباء الإمارات” (وام) الرسمية. وأمرت المحكمة بترحيل المتهمين بعد انقضاء عقوبتهم ومصادرة أجهزتهم الإلكترونية. يبدو أن الأحكام الصادمة بالسَّجن المطوّل صدرت بعد جلسة واحدة فقط.
وبحسب وام، استندت الأحكام إلى تهم متعلقة بـ “دعوتهم وتحريضهم على التظاهر بهدف الضغط على حكومة بلادهم”. جاءت المحاكمة بعد تحقيقات، يبدو أنها “أكدت (…) ضلوع المتهمين في ارتكاب جرائم التجمهر في مكان عام بقصد الشغب والإخلال بالأمن العام والدعوة إلى هذه التجمعات والمسيرات والتحريض عليها، وتصوير مقاطع مرئية ومسموعة لتلك الأفعال ونشرها عبر شبكة الإنترنت”. طلبت النيابة العامة إنزال “أقصى عقوبة” بالمتهمين. وأشار البيان إلى محامي دفاع واحد فقط، عُيّن للترافع عن جميع المتهمين.
في 20 يوليو/تموز، أعلن النائب العام الإماراتي حمد الشامسي التحقيق مع مواطنين بنغاليين “تجمهروا وأثاروا الشغب في عدد من شوارع الدولة”.
في 21 يوليو/تموز، عقدت محكمة أبو ظبي المحاكمة، وأعلنت الإدانة، وأصدرت الأحكام – كل ذلك في غضون 24 ساعة.
المظاهرات والاحتجاجات محظورة تماما في الإمارات. المادة 212 من قانون العقوبات لعام 2021 تنص على عقوبة بالسَّجن المؤبد لأي شخص يدعو إلى تجمهر في مكان عام أو روج له أو قاده “بقصد ارتكاب أعمال شغب أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح أو الإخلال بالأمن العام ولو لم تُقبل دعوته”. المادة 26 من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2021 تُجرِّم استخدام الإنترنت في “التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات أو ما في حكمهما دون الحصول على ترخيص من السلطة المختصة”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السرعة التي تم فيها التحقيق مع عشرات المتهمين، ومحاكمتهم، وإدانتهم تثير مخاوف خطيرة بشأن نزاهة الإجراءات القضائية، وترقى إلى المحاكمة غير العادلة.
أحد الفيديوهات، ونُشر على “تيكتوك” في 21 يوليو/تموز، صُوّر بالقرب من “دبي مول” في وسط مدينة دبي. يظهر فيه مئات، ربما آلاف، المتظاهرين متجمعين في الشارع، يرددون شعارات رفعها الطلاب في بنغلاديش. في فيديو آخر، حللته وتحققت منه هيومن رايتس ووتش، يردد المتظاهرون الشعارات ويجولون شوارع السطوة في دبي، ويحملون الأعلام البنغالية ولافتات كُتب على إحداها “طلاب بنغاليون”.
جميع الفيديوهات صُوِّرت مساءً. في أحدها، الذي صُوِّر في عجمان، تشير ساعة أحد المتظاهرين إلى الساعة 9:15 مساء. وفي فيديو آخر، صُوِّر في السطوة في دبي ونُشر على تيكتوك الساعة 7:36 مساء في التوقيت المحلي، يبدو القمر منخفضا في سماء دبي، ما يتفق مع الوقت التقريبي لنشره على الإنترنت. ثلاثة فيديوهات من تلك التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش أُزيلت لاحقا أو أصبحت خاصة.
قال رئيس الإمارات محمد بن زايد في بيان نُشر على إكس في 21 يوليو/تموز: “يعيش بيننا في دولة الإمارات أكثر من 200 جنسية يسهم أفرادها معنا في تنمية هذا الوطن. التسامح والتعايش والالتزام بالقوانين والحفاظ على الأمن والأمان أسس متينة لمجتمعنا، ونتطلع إلى أن يلتزم بها كل من يعتبر الإمارات وطناً”.
في بيان أرسل إلى “خليج تايمز”، الموقع الإعلامي المدعوم من الحكومة، قالت السفارة البنغالية في أبو ظبي والقنصلية العامة البنغالية في دبي إنه “يُحظَر أي نوع من التجمعات أو المظاهرات أو الهتاف بالشعارات، أو الانغماس في أي نشاط ونشر الشائعات/الترويج، وتسجيل فيديو لها أو أي رسالة/صورة/فيديو من هذا القبيل على وسائل التواصل الاجتماعي كونه يثير اضطرابات أو ذعر أو ارتباك في الرأي العام”. وأضاف البيان: “في حالة الضلوع في مثل هذه الأنشطة، فمن المرجح أن يواجه الشخص المعني عقوبة أشد بما في ذلك إلغاء التأشيرة والسجن والغرامة والإعادة إلى الوطن وحظر دخول هذا البلد في المستقبل”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات البنغالية، لا سيما السفارة البنغالية في الإمارات، أن تدعو السلطات الإماراتية إلى الإفراج عن المحتجزين البنغاليين الـ 57.
تعتمد الإمارات بشكل كبير على أكثر من مليون عامل وافد من بنغلاديش، ثالث أعلى حصة من السكان الأجانب. وبحسب الإحصاءات الحكومية، سافر أكثر من 100 ألف بنغالي إلى الإمارات للعمل في العام 2022 وحده.
يتعرض العمال الوافدون في الإمارات لانتهاكات خطيرة خلال عملهم، مثل سرقة الرواتب، ورسوم توظيف باهظة، وقيود على التنقل الوظيفي، ومصادرة جوازات السفر. يعزز قانون الكفالة الإماراتي التعسفي هذه الانتهاكات، إذ يربط تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب عملهم. رغم كون رسوم الاستقدام غير قانونية، فإنها تنتشر في ممارسات التوظيف، وتتقاعس الإمارات عن إنهاء هذه الممارسات بشكل فعال.
العمال الوافدون في الإمارات الذين يأتون من بلدان معرضة لخطر التغير المناخي، مثل بنغلاديش، معرضون لمخاطر مناخية متصاعدة، لا سيما عندما يعملون في ظل حرارة شديدة بدون الحماية الملائمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن العمال، الذين لا يستطيعون الاعتراض على ظروف العمل الفظيعة هذه بسبب نظام الكفالة التعسفي، وحظر النقابات العمالية، وتقييد حرية التعبير والتجمع، يُدانون ظلما بسبب تظاهرهم السلمي دعما لقضية لا تتعلق بالإمارات.
أدى هجوم الحكومة الإماراتية المتواصل على الحقوق والحريات خلال العقد الأخير إلى إغلاق الفضاء المدني بالكامل، وفرض قيود قاسية على حرية التعبير والتجمع، على الإنترنت وفي الواقع، وتجريم الاعتراض السلمي.
قالت شيا: “تزعم الإمارات أنها تدعم مبادئ التسامح والتعايش السلمي والتفاهم، لكن الاعتقال التعسفي ومعاقبة الاحتجاج السلمي للسكان بالسَّجن المؤبد يشيران إلى الانتهاك المروع لهذه المبادئ”.
المصدر: هيومن رايتس ووتش