في كانون الأول/ ديسمبر؛ بعد اشتداد الانقسامات حول سياسة اليمن وقيود الإنتاج في الأوبك؛ نظم محمد بن سلمان مؤتمرًا صحفيًّا؛
حيث قال الزعيم السعودي إنه أرسل إلى الإمارات قائمة المطالب، حسب ما ورد على لسان الحاضرين في ذلك الاجتماع، وحذر محمد بن سلمان من أنه إذا لم ترضخ الدولة الخليجية الأصغر لتلك المطالب، فإن السعودية مستعدة لاتخاذ خطوات عقابية، مثلما فعلت مع قطر في سنة 2017، عندما قطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية لأكثر من ثلاث سنوات وفرضت مقاطعة اقتصادية على البلاد القطرية، بدعم من أبو ظبي.
وحسب الحاضرين؛ فقد صرّح بن سلمان للصحفيين أن “الأمر سيكون أسوأ مما فعلته مع قطر”. ومنذ اجتماع كانون الأول/ ديسمبر؛ اتخذ محمد بن سلمان سلسلة من التحركات الدبلوماسية بهدف الخروج من عزلته السياسية جراء مقتل الصحفي جمال خاشقجي سنة 2018 من قبل فريق سعودي.
ولجأ بن سلمان إلى الصين للمساعدة في استعادة علاقات بلاده مع إيران، ثم توسط في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهي عملية بدأتها الإمارات العربية المتحد قبل عدة سنوات. وتجدر الإشارة إلى أن سوريا طُرِدَتْ في سنة 2011 من جامعة الدول العربية بعد حملة القمع الوحشية التي شنها الرئيس بشار الأسد على المدنيين السوريين المتظاهرين من أجل التغيير.
ويُجري محمد بن سلمان محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الاعتراف رسميًا بإسرائيل، وهو ما أعلنته الإمارات العربية المتحدة في سنة 2020، كما يقود محمد بن سلمان الجهود الدبلوماسية لقمع العنف في السودان، حيث تدعم الإمارات طرفا معاديًا.
الأمور ستزداد سوءًا، لأن كلا البلدين أصبحا أكثر ثقة وحزمًا في سياستهما الخارجية
ووفقًا لمسؤولين من كلا البلدين؛ تبادلت السعودية والإمارات البيانات لتوضيح انتقاداتهم ومطالبهم في محاولة لتخفيف حدة التوتر.
وفي رد واضح على الشكاوى السعودية، حذّر محمد بن زايد، خلف الأبواب المغلقة، الأمير السعودي في أواخر السنة الماضية من أن أفعاله تقوض العلاقات بين البلدين. وحسب مسؤولين خليجيين؛ فقد اتُّهم ولي العهد السعودي بالتقارب الشديد من روسيا من خلال سياسات النفط التي ينتهجها والخطوات المحفوفة بالمخاطر التي يتبعها، مثل إبرام اتفاق دبلوماسي مع إيران، دون التشاور مع الإمارات.
ولقد غاب محمد بن زايد عن قمة عربية دعا فيها محمد بن سلمان الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى زيارة الرياض، ولم يحضر خلال تصويت جامعة الدول العربية في مايو للسماح لسوريا بالعودة إلى الحظيرة العربية. وبالمقابل؛ كان محمد بن سلمان نفسه غائبًا عندما التقى محمد بن زايد بالقادة العرب في قمة إقليمية رُتبت على عجل في الإمارات في كانون الثاني/ يناير.
في هذا السياق؛ قالت دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية: “التوترات تتصاعد بينهما، ويرجع ذلك جزئيًَا إلى أن محمد بن سلمان يريد الخروج من ظل محمد بن زايد”. وأضافت قائلة:”الأمور ستزداد سوءًا، لأن كلا البلدين أصبحا أكثر ثقة وحزمًا في سياستهما الخارجية”.
تحالف زائف
ووصف السعوديون والإماراتيون أنفسهم بأنهم أقرب الحلفاء، لكن كانت العلاقة متوترة بينهما في بعض الأحيان منذ فترة ما قبل استقلال الإمارات العربية المتحدة عن بريطانيا سنة 1971.
وأعرب الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد آل نهيان، عن استيائه من الهيمنة السعودية على شبه الجزيرة العربية، ورفض الملك السعودي فيصل، الاعتراف بجاره في الخليج العربي لسنوات، للحفاظ على نفوذه في النزاعات الإقليمية المختلفة. وفي سنة 2009؛ أحبطت الإمارات خططًا لإنشاء بنك مركزي خليجي مشترك بسبب الموقع المقترح له في الرياض. وحتى يومنا هذا؛ هناك خلافات إقليمية حول الأراضي الغنية بالنفط بين البلدين.
أصبحت العلاقات بين البلدين أوثق مع صعود محمد بن زايد ومحمد بن سلمان؛ حيث أصبح الأمير الإماراتي الحاكم الفعلي لبلاده عن عمر يناهز 54 سنة، في سنة 2014 عندما أصيب أخوه غير الشقيق، الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد، بجلطة دماغية. وعندما بدأ محمد بن سلمان في احتلال السلطة بعد وصول والده الملك سلمان في سنة 2015 إلى العرش، بدأ محمد بن زايد في تجهيز الأمير السعودي الشاب، الذي كان يبلغ من العمر 29 سنة فقط لتولي الحكم.
في الوقت الراهن يشعر محمد بن سلمان أن الرئيس الإماراتي قاده إلى صراعات كارثية لا تخدم سوى مصالح الإمارات، حسب مسؤولين خليجيين.
ووفقًا لأشخاص مطلعين على الرحلة؛ كان الرجلين بالكاد يعرفان بعضهما البعض قبل الخروج معا في رحلة تخييم ليلية في الصحراء السعودية الشاسعة. ومثلت الرحلة، التي كانت مصحوبة بصقور مدربة وحاشية صغيرة نقطة تحول في تعزيز الصداقة بينهما.
لعب محمد بن زايد وغيره من كبار المسؤولين الإماراتيين دورًا رئيسيًا في الضغط على إدارة ترامب لصالح محمد بن سلمان، الذي كان آنذاك نائبًا لولي العهد؛ حيث ساعد محمد بن زايد في تنظيم رحلة الرئيس دونالد ترامب آنذاك إلى السعودية في سنة 2017، والتي ساهمت في تعزيز نفوذ محمد بن سلمان؛ حيث نظّم الأمير السعودي انقلابًا في القصر الشهر التالي ليصبح ولي العهد ثم شن حملة تطهير للقضاء على الأصوات المعارضة والمنافسين المحتملين له.
وعند صياغة خطة لتغيير المملكة وانفتاحها، استعان محمد بن سلمان بمحمد بن زايد للحصول على التوجيه واستفاد من بعض البنوك والاستشاريين نفسها التي استخدمها الإماراتيون لتنفيذ خطة مماثلة قبل عقد من الزمن.
وأقام محمد بن سلمان ومحمد بن زايد تحالفًا للسياسة الخارجية عند التدخل في حرب اليمن، وساعدا الجنرال عبد الفتاح السيسي على تولي السلطة على إثر تدبير انقلاب في مصر، وسعيا إلى تسليح مقاتلين ليبيين في شرق تلك الدولة المنقسمة، ومقاطعة قطر بسبب العلاقات التي تربطها مع إيران والإسلاميين.
وحاول كلا الزعيمين منذ ذلك الحين النأي بنفسها عن تلك التدخلات. وفي الوقت الراهن، يشعر محمد بن سلمان أن الرئيس الإماراتي قاده إلى صراعات كارثية لا تخدم سوى مصالح الإمارات، حسب مسؤولين خليجيين.
في الشأن ذاته؛ أوضح دوجلاس لندن، الضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية والذي يعمل الآن كباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، وهي خلية تفكير تتخذ من واشنطن مقرًّا لها، إن محمد بن سلمان “لا يحبه ويريد التفوق عليه”. وأضاف المصدر ذاته أنه “مع انحسار التهديدات من إيران والجماعات الإرهابية، من المرجح أن تتصاعد التوترات بينهما”. لكن لندن استدرك قائلًا بأن الزعيم السعودي طور نهجًا يتسم بطابع عملي لقيادة بلاده، مما يجعل من غير المرجح أن يتخذ إجراءات متهورة ضد الإمارات.
نزاع أوبك
وظهر الخلاف على السطح في تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية عندما قررت منظمة أوبك، مجموعة إنتاج النفط التي تضم 13 دولة والمتحالفة مع روسيا، خفض الإنتاج في خطوة أثارت استياء إدارة بايدن. ودعمت دولة الإمارات العربية المتحدة قرار خفض الإنتاج، في حين أخبرت وراء الأبواب المغلقة المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام أن السعودية أجبرتها على الموافقة على القرار.
وعكست هذه الديناميكية نزاعًا طويل الأمد بين السعوديين والإماراتيين حول السياسة التي ينبغي أن ينتهجها كارتيل النفط “أوبك”، وهي الهيئة التي هيمنت عليها الرياض منذ فترة طويلة باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم. فلقد رفع الإماراتيون طاقتهم الإنتاجية من النفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميًا ولديهم خطط لتجاوز خمسة ملايين برميل، لكن يُسمح لهم بموجب سياسة أوبك بضخ ما لا يزيد عن ثلاثة ملايين برميل، مما يكلفها خسارة إيرادات بمئات المليارات من الدولارات.
القوات اليمنية المتنافسة تستعد لاشتباكات جديدة تهدد محادثات السلام الجارية
إضافة إلى أن الزيادة الإماراتية في الطاقة الإنتاجية للنفط تمنحها القدرة المحتملة على زيادة أو خفض إنتاج النفط، والتأثير على أسعار النفط العالمية. وحتى وقت قريب، كانت المملكة العربية السعودية فقط هي التي تمارس هذا النوع من القوة السوقية.
ووفقًا لمسؤولين خليجيين وأمريكيين؛ وصل الاستياء الإماراتي إلى حد إبلاغهم مسؤولين الأمريكيين أنهم مستعدون للانسحاب من أوبك، ولكن اعتبر مسؤولون أمريكيون ذلك علامة على الغضب الإماراتي وليس تهديدًا حقيقيًا. وفي اجتماع أوبك الأخير، الذي نُظم في حزيران/ يونيو، سُمح للإماراتيين بزيادة متواضعة في خط إنتاجهم الأساسي، وظهر وزير الطاقة الإماراتي وهو يصافح نظيره السعودي.
وتهدد الانقسامات بين الزعيمين بتقويض الجهود الجارية لإنهاء الحرب في اليمن، التي تضع السعوديين والإماراتيين ومجموعة من الفصائل اليمنية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد في سنة 2014، بما في ذلك صنعاء.
وواصلت الإمارات العربية المتحدة دعم الحركة الانفصالية اليمنية التي تسعى إلى استعادة الدولة اليمنية في الجنوب، وهو ما يمكن أن يقوض الجهود المبذولة للحفاظ على وحدة البلاد؛ حيث دخل المقاتلون المدعومين من السعودية والإمارات الذين يعملون معًا لدحر قوات الحوثي، في مواجهات مسلحة مع بعضهم في بعض الأحيان على مر السنين.
وفي كانون الثاني /ديسمبر؛ أبرمت الإمارات اتفاقًا أمنيًّا مع مجلس قيادة الرئاسة اليمني المدعوم من السعودية يمنح أبو ظبي حق التدخل في اليمن ودخول المياه قبالة سواحلها، واعتبر المسؤولون السعوديون ذلك بمثابة تحدٍ لإستراتيجيتهم العسكرية في اليمن.
وتخطط السعودية لإنشاء خط أنابيب ينطلق من المملكة وصولا إلى بحر العرب ويمر عبر محافظة حضرموت اليمنية، مع ميناء بحري في عاصمتها الإقليمية المكلَّا، لكن القوات المدعومة من الإمارات في حضرموت تشكل تهديدًا قد يمنع تنفيذ تلك الخطط.
وحذر محللون في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، وهي خلية تفكير مستقلة في لندن من أن القوات اليمنية المتنافسة تستعد لاشتباكات جديدة تهدد محادثات السلام الجارية؛ حيث أوضح المحللون في سلسلة من التدوينات على تويتر: “إن المملكتين الخليجيتين تظهران المزيد من القوة وتتصرفان بشكل أكثر عدوانية تجاه بعضهما البعض في المنطقة بشكل عام وتمثل اليمن خط المواجهة الأول والأكثر نشاطًا”.
وأردف مسؤولون يمنيون أنه “إذا انسحب السعوديون من اليمن في الوقت الراهن، فإن الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون سيتحالف مع إيران وسيتحالف الجنوب مع الإمارات العربية المتحدة، مما يقلص مجال نفوذ للرياض في هذه الحرب”، وهذا ما يثير قلق السعودية.
هدف بايدن
وأثار التنافس السعودي الإماراتي استياء إدارة بايدن التي تريد أن تساعد عواصم الخليج الصديقة مثل الرياض وأبو ظبي في تشكيل جبهة موحدة ضد إيران. ويعتبر إنهاء الحرب في اليمن، التي تسببت في كارثة إنسانية، هدفًا رئيسيًّا للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، التي تريد فرض الاستقرار في المنطقة وفي أسواق النفط.
ولا يتوافق محمد بن سلمان ولا محمد بن زايد تمامًا مع واشنطن في مسائل مهمة مثل أوكرانيا والصين؛ حيث يشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق متزايد بشأن التواصل والعلاقات التي تربط كُلًّا من محمد بن زايد محمد بن سلمان مع بكين وموسكو على حد السواء.
صرح محمد بن سلمان لطحنون إن الإمارات العربية المتحدة ينبغي ألا تعطل محادثات وقف إطلاق النار في اليمن التي يقودها السعوديون وتعهد بتقديم تنازلات للإمارات
عندما قدم بايدن إلى السلطة، تعهد بمعاملة المملكة كدولة منبوذة بسبب مقتل خاشقجي، وهو الأمر الذي قال محمد بن سلمان إنه لم يأمر به. وبدلاً من ذلك؛ زار بايدن المملكة العربية السعودية في تموز/يوليو 2022، مما ساعد في إنهاء عزلته. في الوقت الحالي؛ تدرس الشركات الأمريكية التي كانت مترددة في التعامل مع المملكة مكاسب الاستثمار في البلاد. ومن المرجح أن يتسارع هذا الاهتمام مع اقتراب الموعد النهائي في نهاية السنة الجارية للشركات التي لديها عقود من الحكومة السعودية لإنشاء قاعدة في الرياض بدلاً من السفر إلى دبي
وحسب أشخاص مطلعين على المسألة؛ فقد توسطت إدارة بايدن في تنظيم اجتماع في 7 آيار/مايو بين محمد بن سلمان والشقيق الأصغر للرئيس الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، الذي كان يُنظر إليه أنه أحد المقربين من ولي العهد السعودي. وأضافت هذه المصادر المطلعة أن طحنون لم يتمكن من مقابلة ين سلمان في ست رحلات على الأقل أجراها إلى المملكة حتى حصل على مساعدة من الولايات المتحدة.
ووفق هذه المصادر؛ صرح محمد بن سلمان لطحنون إن الإمارات العربية المتحدة ينبغي ألا تعطل محادثات وقف إطلاق النار في اليمن التي يقودها السعوديون وتعهد بتقديم تنازلات للإمارات. لكنه أمر مستشاريه لاحقًا بعدم تغيير أي سياسات تجاه الإمارات العربية المتحدة؛ مؤكدًا أنه “لم يعد يثق بها بعد الآن”.
المصدر: وول ستريت جورنال